مهرجان المذرذرة بين الثقافة وواجب الحياد: دعوة إلى الحكمة والابتعاد عن الاصطفاف

يراد لمهرجان المذرذرة أن يكون أحد أبرز الفضاءات الثقافية الجامعة في ولاية اترارزة ويملك كل المقومات لتحقيق ذلك. هذا الواقع يضع على عاتق القائمين عليه مسؤولية كبيرة وقدرا عاليا من الحكمة في التسيير لا سيما في ظل سياق تتداخل فيه الاعتبارات الدينية والاجتماعية وتزداد فيه محاولات جذب الفعل الثقافي إلى أصعدة السياسة والاصطفاف. ومن هنا تبرز ضرورة التمسك بالرسالة الأصلية التي أنشئت من أجلها هذه التظاهرة الثقافية الكبرى ألا وهي: الاحتفاء بالثقافة بوصفها مجالا جامعا لا الزج بها وتوظيفها في صراعات لا تخدم رسالتها ولا جمهورها. 

لقد دأبت لجان تنظيم المهرجانات الثقافية في هذه الربوع على تقليد محمود قوامه الفصل الواعي بين مجالات التأثير حيث تحفظ للثقافة فضاءاتها الجامعة وللدين مقامه الموقر وللسياسة شأنها التدبيري المتغير. والحفاظ على هذا التوازن الدقيق هو ما يمنح الأنشطة الثقافية مصداقيتها واستمراريتها ويجعلها محل إجماع مجتمعي كبير. ومن المؤسف بحق أن يلوح اليوم ما يهدد هذا الإرث عبر الزج بالفعاليات الثقافية في نزاع روحي عميق الحساسية مثل النزاع الأخوي على الخلافة القادرية القديم المتجدد.

إن هذا النزاع مهما كانت حيثياته ومآلاته يظل شأنا داخليا في الحقل الصوفي الموقر تحكمه مرجعياته العلمية والروحية ولا ينبغي أن يُستثمر ـ لا تصريحا ولا تلميحا ـ في منابر ثقافية يفترض أن تبقى على مسافة واحدة من الجميع. فالمهرجانات الثقافية ليست ساحات ترجيح ولا منصات اصطفاف بل جسور تواصل وتلاق
فيجب أن يظل توجيه الدعوات لحضور فعاليات هذا المهرجان قائما على المكانة الاجتماعية والدينية للأشخاص بما يعكس احتراما للثقافة المحلية والتقاليد المجتمعية لا بناء على الصفات الشخصية أو الانتماءات الفردية لما في ذلك من ضمان للحياد وتعزيز لشعور الجميع بالانتماء للمهرجان كفضاء جامع بعيدا عن أي تمييز أو تحيز قد يضعف رسالته الثقافية.

من هنا فإنني أتوجه بدعوة صادقة إلى منظمي مهرجان المذرذرة إلى التحصن بالحياد الإيجابي وإلى وضع عربة قاطرة هذه التظاهرة الثقافية الكبيرة على تلك السكة الفاصلة بين الثقافة والسياسة وبين النشاط الثقافي والتجاذبات الدينية. فبقدر ما يحافظ المهرجان على هذا المسار بقدر ما يظل فضاء جامعا وبقدر ما يسهم في ترسيخ السلم الرمزي في ولاية عُرف أهلها عبر تاريخها برجاحة العقل وتغليب الحكمة فصيانة الثقافة من التوظيف ليست موقفا ضد أحد بل هي انتصار للجميع.

 

___________"_

السالك بناني خالد