التعديل الوزاري بين مفاجآت التمثيل و منطق التمثيل / بلال عالي أعمر لعبيد

جمعة, 19/09/2025 - 18:18

في لحظة سياسية تتسم بالحراك والتجديد، جاء التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد أجاي ليعيد ترتيب بعض مراكز الثقل في الجهاز التنفيذي، ويبعث برسائل متعددة الاتجاهات: إدارية، سياسية، وحتى رمزية. فقد طال التعديل حقائب حساسة ومؤثرة، ولم يكن مجرد إعادة توزيع للمهام، بل حمل في طياته مفاجآت غير متوقعة للبعض، وإنصافًا مستحقًا للبعض الآخر، في مشهد يعكس ديناميكية المرحلة وتوازناتها الدقيقة بين الكفاءة الفنية والاعتبارات السياسية، وبين منطق التسيير ومتطلبات التمثيل.
ومن بين أبرز التحولات التي أثارها هذا التعديل، قرار تحويل وزير الاقتصاد والمالية السيد سيد أحمد ولد ابُّوه إلى وزارة الزراعة. وهو قرار يُعد، في رأيي، إطفاءً لشمعة مضيئة في عالم المال والاقتصاد؛ فقد تخصص الرجل في هذا المجال وأتقنه، كما تجلى ذلك في لقاءاته وتصريحاته التي أظهرت بجلاء قدراته الذهنية والمعرفية، وحضوره المهني في مختلف المنابر الصحفية والاقتصادية. فمنذ توليه حقيبة الاقتصاد والمالية، تمكن الوزير سيد أحمد من ضبط إيقاع عمل الوزارة التي تُشرف على جميع القطاعات الحكومية بلا استثناء، مؤسسًا لنهج إداري واقتصادي متماسك، ومكرّسًا حضورًا مؤسسيًا نادرًا في المشهد التنفيذي. وقد برع في ترشيد التعيينات، وتكريس الرقابة المهنية، وتوجيه العلاقات الدولية وفق معايير صارمة، جعلت من الوزارة مركزًا لتقاطع القرار الفني والسياسي.
وإذا كانت وزارة الاقتصاد والمالية تُعد القطاع السيادي الأول في هندسة السياسات العمومية، فإن نقل الوزير منها إلى وزارة الزراعة يفتح بابًا للتأمل في أولويات المرحلة. فهذه الوزارة تُشرف على إعداد وتنفيذ الميزانية العامة، وتضبط إيقاع الإنفاق الحكومي، وتُراقب الأداء المالي لجميع القطاعات، وتُدير العلاقات مع المؤسسات الدولية، وهي المهام التي برع فيها الوزير سيد أحمد بامتياز. ومع ذلك، فإن وزارة الزراعة، رغم اختلاف طبيعتها، تمثل الواجهة الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي، في بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، ويملك موارد زراعية غير مستغلة بالكامل. وإذا ما تم توظيف أدوات الرقابة والتسيير التي أتقنها الوزير في وزارة المالية، فإن القطاع الزراعي قد يشهد نقلة نوعية بمنطق اقتصادي صارم يعيد هندسة السياسات الزراعية على أسس أكثر مهنية واستدامة.
وفي سياق إعادة توزيع الكفاءات، جاء تعيين الوزير الشاب المختار أحمد بوسيف، الذي كان يشغل منصب وزير أملاك الدولة، على رأس وزارة الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية. وهو قطاع حيوي يعاني من تحديات تنظيم الممتلكات وضبط العقود، وقد بدأ الوزير السابق حربًا واسعة النطاق ضد السماسرة، راعى خلالها الحق، وحارب كل أشكال التلاعب دون استثناء. غير أن انتقاله إلى حقيبة جديدة يطرح تساؤلات حول استمرارية تلك المعركة، وما إذا كانت ستُستكمل بنفس الحزم والوضوح، أم أن أولويات المواجهة ستُعاد ترتيبها وفق مقتضيات القطاع الجديد.
وتزداد أهمية هذا التساؤل بالنظر إلى أن وزارة الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية تُعد من أكبر مصادر الدخل القومي، نظرًا لغنى الشواطئ الموريتانية بالثروات السمكية، وارتباطها المباشر بالتجارة الخارجية. وهي مسؤولة عن تنظيم الصيد، وتطوير البنى التحتية، وحماية حقوق الصيادين، ومراقبة العقود البحرية. لذا فإن استمرارية الحزم في هذا القطاع ستكون محكًا حقيقيًا للوزير الجديد، واختبارًا لقدرة الحكومة على تثبيت نهج الإصلاح في القطاعات الحيوية، دون أن تتأثر بزخم التنقلات الوزارية.
أما على المستوى السياسي، فقد حمل التعديل جانبًا من الإنصاف التمثيلي، تمثل في تعيين الوزيرة السياسية المخضرمة الرئيسة الناها بنت حمدي ولد مكناس على رأس وزارة الإسكان والاستصلاح الترابي. وهي التي ترأس ثاني أكبر الأحزاب تمثيلًا في الجمعية الوطنية بعد حزب الإنصاف، من حيث عدد المقاعد البرلمانية. ويُعتبر هذا التعيين إنصافًا لها ولحزبها، الذي ظل داعمًا للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ومساهمًا في استقرار الأغلبية البرلمانية، دون أن يُكافأ سياسيًا في التشكيلات السابقة.
ويكتسب هذا التعيين رمزية خاصة بالنظر إلى طبيعة وزارة الإسكان، التي تُعنى بتخطيط الفضاء العمراني وضمان الحق في السكن، وترتبط مباشرة بالحياة اليومية للمواطن. وتشمل مهامها محاربة العشوائيات، وتوفير السكن الاجتماعي، وتأهيل المدن، وتنفيذ مشاريع الاستصلاح الترابي. وتولي شخصية سياسية بهذا الحجم لهذا القطاع يُعزز التنسيق بين الحكومة والأغلبية، ويمنح دفعة تمثيلية لمشاريع الإسكان الكبرى، ويُعيد الاعتبار للتوازن السياسي داخل الجهاز التنفيذي، في لحظة تتطلب تثبيت الثقة بين مكونات الأغلبية وتفعيل الشراكة في القرار العمومي.
وإذ نقرأ هذا التعديل الوزاري في ضوء التحولات السياسية والإدارية الراهنة، فإننا لا نغفل عن رمزيته العميقة، ولا عن دلالاته الفنية والتمثيلية، التي تعكس حرص القيادة على إعادة ضبط إيقاع الجهاز التنفيذي وفق منطق التوازن والفعالية. وبين مفاجآت التعيين، وإنصاف التمثيل، وتحديات الاستمرارية، يبقى جوهر المرحلة مرهونًا بقدرة الحكومة على تحويل هذه التغييرات إلى أدوات إصلاح حقيقي، يلامس الواقع، ويعيد الاعتبار للمهنية، ويعزز الثقة في القرار العمومي.
✍️ بقلم: بلال ولد أعمر لَعْبِيد