
في لحظة سياسية هادئة ودون ضغوط، أعلن رئيس الجمهورية عن نيّته تنظيم "حوار وطني شامل"، وذلك في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك،
لم يكن هذا الإعلان حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل شكّل خطوة واعية في اتجاه ترسيخ ثقافة الحوار كأداة حضارية لإدارة الشأن العام، وتكريس مبدإ التهدئة السياسية، بوصفه شرطًا أساسيًا لأي تقدم تنموي ومجتمعي.
لقد أكدت هذه الدعوة على انتظام مؤسسات الدولة ونفت وجود أية أزمة سياسية داخلية، وأشارت إلى استغلال هذا الظرف المستقر لفتح نقاش وطني جاد، بعيدًا عن الضغوط والمصالح الضيقة وهي مقاربة تستحق التنويه، خصوصًا أن كثيرًا من الحوارات - في تجارب أخرى- لا تنطلق إلا تحت وطأة الأزمات.
يشكل هذا الحوار فرصة جديدة لتحسين أداء منظومتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على ضوء التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.
لقد أفضت التجربة الحوارية السابقة إلى إصلاحات دستورية ومؤسسية كبيرة وقد توجت بإصدار أربعة عشر قانونًا عضويًا جديدًا، إلى جانب عشرات المراسيم التنظيمية، ما أحدث نقلة نوعية في البنية القانونية والسياسية للبلد.
ومن المهم التأكيد على أن شمولية الحوار لا تعني إلزام الجميع بالمشاركة فيه، فبعض الأحزاب الوازنة غابت عن الحوار السابق، دون أن يمنع ذلك استمرار المسار أو نجاح مخرجاته، لأنها لم تكن مفصلة على مقاس جهة معينة. فالقانون في دولة المؤسسات ينبغي أن يكون مجرّدًا وعامًا (Impersonnel)، ليخدم الجميع بلا استثناء.
مرّت خمسة عشر سنة على آخر حوار وطني، ومن الطبيعي اليوم العودة إلى مخرجاته لتقويم ما تحقق، وتحسين ما لم يتلاءم مع تطورات المرحلة..
إن تجديد الرؤية القانونية والدستورية يجب أن يتم بمهنية عالية، تتجنب التسرّع والتأويلات المتضاربة، خاصة في القضايا الخلافية، مثل:
المادة 43 من الدستور التي كثر الجدل حولها مؤخرا و سن الترشح لرئاسة الجمهورية ونظام الغرفة التشريعية الواحدة ومدى كفاءته؟ و إعادة توزيع الدوائر الانتخابية وعدد ممثلي الشعب، و تقييم المؤسسات السياسية والتنظيمية، وإمكانية الإبقاء عليها أو تعديلها أو حتى إلغائها مع ضرورة تنظيم استفتاء شعبي ومراجعة آليات الاقتراع لذلك الغرض
إن أي حوار وطني جاد لا يمكن أن يكتمل دون عرض بعض مخرجاته على الشعب من خلال استفتاء حر وشفاف. وهنا تبرز الحاجة إلى مراجعة وتقييم أداء الجهة المشرفة على الانتخابات، بدءًا باللائحة الانتخابية، مرورًا بالإجراءات الفنية، وصولًا إلى يوم الاقتراع.
إن للزمن اكراهاته و تحدياته و نحن اليوم نظريا في آخر مأمورية رئاسية، والبرنامج الانتخابي الذي قُدم للشعب ما زال قيد التنفيذ.
وإذا كان الحوار أحد التزاماته، فإن إنجازه قبل نهاية السنة الجارية سيكون إنجازًا سياسيًا مهمًا، .يمهد الطريق لأن تكون سنة 2026 سنة تحضيرية للاستفتاء على مخرجاته التي ربما يكون من ضمنها انتخابات برلمانية و محلية..
كخلاصة، ليس الحوار الوطني مناسبة لصياغة التوافقات اللحظية، بل هو فرصة لصياغة المستقبل المشترك بثقة، وعدالة، ومسؤولية.
إدوم عبدي اجيد