خارطة الطريق للحوار.. مسار جيد التتفيذ يحتاج إلي توضيح / احمد سالم بوحبيني

اثنين, 30/06/2025 - 11:06

تستحق خارطة الطريق التي قدمها مؤخرًا منسق الحوار الوطني في موريتانيا أن تُشَاد بها لما تضمنته من جودة في العمل المنجز. فهي ثمرة جهدٍ كبير من الصبر، والإصغاء، والموضوعية. وقد نقل المنسق نتائج مختلف المشاورات بكل أمانة وصرامة، دون تحريف أو توجيه. وفي هذه المرحلة، لا يمكن أن يُلام، فقد قام بما يُنتظر من منسق، لا أكثر ولا أقل.

أُثمن بطبيعة الحال روح الانفتاح التي أبداه رئيس الجمهورية والتي كانت وراء هذه المبادرة، لكن على المستوى الجوهري، من المهم التذكير بموقف لطالما تمسكت به: في الأنظمة الديمقراطية الفاعلة، ليس الحوار السياسي مطلبًا دائمًا، ولا ينبغي أن يُستَبدَل به أداء المسؤوليات السياسية العادية. 

في هذا السياق، فإن دور الحكومة هو أن تحكم، أن تحلل مشاكل البلاد، وتضع استراتيجيات، وتنفذها. ودور المعارضة هو أن تُعارض، أن تنتقد السياسات الحكومية، وأن تقدم بديلاً لها، لا أن تُشارك في إدارة شؤون الحكم من خلال التشاور الدائم أو الإدارة المشتركة.

ومن الطبيعي أن يستشير رئيس الجمهورية، في مناسبات محددة، القوى السياسية والاجتماعية حول القضايا الوطنية الكبرى. لكن تحويل الحوار إلى أسلوب دائم للحكم، بقرارات ملزمة وترجمات تشريعية، هو أمر غير ضروري ويتنافى مع جوهر الديمقراطية، بل يفرغها من محتواها الحقيقي.

أرى أنه قد آن الأوان لتحديد حدود الحوار السياسي، ليبقى أداة ظرفية في خدمة التماسك الوطني، لا بديلاً عن الشرعية الانتخابية، ولا منصة لإدارة موازية للدولة.

وعلاوة على ذلك، هناك موضوعان يتم تناولهما مراراً وتكراراً في الحوارات الوطنية، ويستحقان التوضيح، في رأيي: العبودية، و ما يعرف شائعاً بالإرث الإنساني .

فيما يخص العبودية، أرى أن طرحها في الحوار الوطني هو خطأ. لقد أحرزت موريتانيا تقدمًا كبيرًا في هذا المجال، نال اعترافًا دوليًا، من خلال سن الإطار القانوني المناسب،وإنشاء موسسات و آليات قضائية وإدارية واجتماعية. وقد ساهمت شخصيًا في هذه الجهود لسنوات. إعادة طرح هذه القضية اليوم في سياق سياسي يوحي بانتكاسة ويضعف ما تحقق من إنجازات. المطلوب اليوم ليس النقاش، بل سياسات عمومية عادلة لتصحيح أوجه اللاّمساواة الموروثة عن هذا التاريخ، خصوصًا في مجالات التعليم، والعمل، والصحة، و بشكل عام، كل ما من شأنه القضاء على الهشاشة

أما بالنسبة للإرث الإنساني، فقد تم بذل جهود كبيرة كذلك: اعتراف رسمي،رجوع المبعدين، تعويضات، صلوات.
لا شك أن هناك شكاوى مشروعة أخرى لا تزال قائمة.
إلا أن هناك عمل جاد تشرف عليه لجنة متعددة الأطراف، كنت من بين أعضائها تضم ممثلين عن الحكومة و ممثلين محترمين من جمعيات الضحايا، يجب أن يستمر هذا العمل في جو من الهدوء والموضوعية، من أجل تسوية ما تبقى وترسيخ الوحدة الوطنية. 
إثارة هذه المسألة في إطار نقاش عام وسياسي أمر غير مناسب في رأيي.

 النقاش، أو بالأحرى المشاورات، في رأيي، لا ينبغي أن تكون في المقام الأول نقاشًا سياسيًا. ما سيكون مفيدًا حقًا – ومرغوبًا فيه – هو إطلاق المشاورات القطاعية التي ينظّمها المهنيون.

نقاشات يقودها المدرسون للتفكير في مستقبل نظامنا التعليمي، والعاملون في قطاع الصحة لاقتراح حلول لمشكلة الوصول إلى الرعاية الصحية، والقضاة والحقوقيون للتفكير في عدالة تخدم التنمية والمساواة والإنصاف الاجتماعي، والمهندسون والخبراء لمناقشة أفضل السبل لاستغلال مواردنا المعدنية والسمكية والنفطية، والاقتصاديون لتقييم أنجع محركات النمو.

كما أن نقاشًا يشارك فيه خبراء، بمن فيهم الأجانب، ضروري للتفكير في موقعنا الجيوستراتيجي، والفرص الكبيرة التي تُتاح لنا، خاصة من خلال استغلال الغاز، وما يعد به الهيدروجين الأخضر من إمكانات واعدة.

مثل هذه النقاشات، التي تُبنى على الكفاءات لا على الصراعات الحزبية، من شأنها أن تنير صانعي القرار، وتُسهم في بناء رؤى و سياسات واقعية، قائمة على المعطيات لا على المواقف الشكلية
احمد سالم بوحبيني
30/06/2025